سورة يونس - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


{فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرْضِ} يظلمون ويتجاوزون إلى غير أمر الله عز وجل في الأرض، {بِغَيْرِ الْحَقِّ} أي: بالفساد. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} لأن وباله راجع عليها، ثم ابتدأ فقال: {مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي: هذا متاع الحياة الدنيا، خبر ابتداء مضمر، كقوله: {لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ} [الأحقاف- 35]، أي: هذا بلاغ. وقيل: هو كلام متصل والبغي: ابتداء، ومتاع: خبره.
ومعناه: إنما بغيكم متاع الحياة الدنيا، لا يصلح زادًا لمعاد لأنكم تستوجبون به غضب الله.
وقرأ حفص: {متاع} بالنصب، أي تتمتعون متاع الحياة الدنيا، {ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
قوله عز وجل: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} في فنائها وزوالها، {كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ} أي: بالمطر، {نَبَاتُ الأرْضِ} قال ابن عباس: نبت بالماء من كل لون، {مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ} من الحبوب والثمار، {وَالأنْعَامُ} من الحشيش، {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا} حسنها وبهجتها، وظهر الزهر أخضر وأحمر وأصفر وأبيض {وَازَّيَّنَت} أي: تزينت، وكذلك هي في قراءة ابن مسعود: {تزينت}. {وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا} على جذاذها وقطافها وحصادها، ردّ الكناية إلى الأرض. والمراد: النبات إذ كان مفهوما، وقيل: ردَّها إلى الغلَّة. وقيل: إلى الزينة. {أَتَاهَا أَمْرُنَا} قضاؤنا، بإهلاكها، {لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا} أي: محصودة مقطوعة، {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ} كأن لم تكن بالأمس، وأصله مِنْ غني بالمكان إذا أقام به. وقال قتادة: معناه إن المتشبِّث بالدنيا يأتيه أمر الله وعذابه أغفل ما يكون. {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.


قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ} قال قتادة: السلام هو الله، وداره: الجنة. وقيل: السلام بمعنى السلامة، سُميت الجنة دار السلام لأنّ مَنْ دخلها سَلِمَ من الآفات. وقيل: المراد بالسلام التحية سُميت الجنة دار السلام، لأن أهلها يحيي بعضُهم بعضا بالسلام والملائكة تسلم عليهم. قال الله تعالى: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم} [الرعد- 23].
وروينا عن جابر قال: جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلا. قال: فاضربوا له مثلا. فقال بعضهم: مثله كمثل رجل بنى دارا، وجعل فيها مأدبة، وبعث داعيًا، فمن أجاب الداعي: دخل الدار، وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي: لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا أوّلُوها له يَفْقَهْهَا، قال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدار الجنة والداعي محمد صلى الله عليه وسلم، فمن أطاع محمدًا فقد أطاع الله، ومَنْ عصى محمدًا فقد عصى الله، ومحمد فَرَّق بين الناس.
{وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فالصراط المستقيم هو الإسلام، عمَّ بالدعوة لإظهار الحجة، وخُصَّ بالهداية استغناءً عن الخلق.


قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} أي: للذين أحسنوا العمل في الدنيا الحسنى، وهي الجنة، وزيادة: وهي النظر إلى وجه الله الكريم، هذا قول جماعة من الصحابة، منهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وحذيفة، وأبو موسى، وعبادة بن الصامت رضي الله عنهم، وهو قول الحسن، وعكرمة وعطاء، ومقاتل، والضحاك، والسدي.
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الْحُمَيْدِيّ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو العباس محمد بن يعقوب إملاء، حدَّثنا أبو بكر محمد بن إسحاق الصنعاني، حدثنا الأسود بن عامر، حدَّثنا حماد بن سلمة عن ثابت- يعني البناني- عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال: إذا دخل أهل الجنةِ الجنةَ وأهل النارِ النارَ نادى منادٍ: يا أهل الجنة إنّ لكم عند الله موعدًا يريد أن ينجزكُمُوه، قالوا: ما هذا الموعود؟ ألم يثقِّلْ موازيننا، ويبيِّضْ وجوهنا، ويدخلْنَا الجنة، ويُجِرِنْا من النار؟ قال: فيرفع الحجاب فينظرون إلى وجه الله عز وجل. قال: فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إليه.
وروي عن ابن عباس: أن الحسنى هي: أن الحسنة بمثلها والزيادة هي التضعيف عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. وقال مجاهد: الحسنى: حسنة مثل حسنة، والزيادة المغفرة والرضوان.
{وَلا يَرْهَقُ} لا يغشى {وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ} غبار، جمع قترة. قال ابن عباس وقتادة: سواد الوجه، {وَلا ذِلَّةٌ} هَوَان. قال قتادة: كآبة. قال ابن أبي ليلى: هذا بعد نظرهم إلى ربهم. {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8